لعل أكثر هاجس يرعب المقبلين على الزواج، هو التحاليل الطبية التي باتت تفرض عليهم قبل عقد القران، والتي يكشف من خلالها عن بعض الأمراض المعدية والوراثية، وإمكانية انتقالها للأبناء. حيث يجد العديد منهم أنفسهم أمام خيار صعب للغاية إما الانفصال والبحث عن شريك آخر أو المغامرة، وإتمام الزواج رغم احتمالات إنجابهم لأطفال بعاهات ذهنية أو جسدية.
الحبّ ليس الزواج
كثيرة هي قصص الحب والإعجاب الصادقة التي تترجم إلى خطوات رسمية نحو الزواج، لكنها تتوقف عند نتائج التحاليل الطبية، بعد أن يحذر الأطباء كلا الطرفين من إتمام الزواج، لإصابة أحدهما بمرض معد، أو خلل جيني أو لحملهما معا نفس المرض الجيني مما يزيد من احتمال توريثه للأبناء. وهنا يتفق المعنيان على اتخاذ قرار عقلاني واقعي يتجاوز حدود العاطفة ويضع بعين الاعتبار كل المخاطر والمتاعب المادية والنفسية حال إنجابهما لأطفال معاقين أو مرضى.
وتواصل الفتاة واصفة شعورها وردة فعلها عند سماع الخبر تقول: "في البداية بدأت الشكوك تراودني، ولعب الشيطان بعقلي لدرجة أنني اتهمت خطيبي بتلفيق القصة، وذهبت مسرعة إلى الطبيبة فأعادت على مسامعي نفس الكلام، عدت إلى البيت منهارة، لكنني تداركت رشدي، واتفقت مع خطيبي على فسخ الخطوبة، وعزاؤنا في ذلك الرضا بقضاء الله، والثقة في حكمته."
الله أعلم من البشر
وإن كان بعضهم يثق في نتائج العلم ويقرر صرف النظر عن إتمام الزواج بعد تحذير الأطباء من ذلك، فهناك من يفضل المغامرة وعقد القران، والدافع من وراء ذلك إما الحب الجارف، أو الاستهانة بنصائح الأطباء، وتفويض الأمر لعلم الله.
يقول سفيان وهو شاب متزوج من ابن خالته: " نصحنا الطبيب بتجنب إتمام الزواج، وقال لنا أن إنجاب أطفال معاقين يبقى أمرا غير مؤكد، لذلك لم أعمل بنصيحته، وعقدت القران على ابنة خالتي، فأخي متزوج من أختها الكبرى أيضا، وطفليه سليمين، الله أعلم من كل البشر وهو من يهبنا الأبناء الأصحاء أو المعاقين".
لم نندم لحظة
أما مروى وزوجها وبالرغم من مرور اثني عشرة عاما على زواجهما، حرما خلالها من إنجاب طفل سليم بسبب اجهاض الزوجة المتكرر، إلا أنهما لم يندما لحظة على مخالفة نصيحة الطبيب الذي حذرهما من الزواج، وحدثهما عن مشاكل الإجهاض. وتعزو مروى السبب في مغامرتهما إلى حبهما الكبير لبعضهما قائلة: "لو عادت بي السنوات إلى الوراء سأختار نفس القرار، وأختار نفس الشخص الذي أحببته وأحبني زوجا لي، ورغم أننا لم نرزق بأطفال. لم نندم لحظة على زواجنا".
في القانون والشرع
وتعتبر بعض التحاليل الطبية في الجزائر مع شهادة طبية تؤكد عدم الإصابة بالأمراض التي تكشف عنها هذه التحاليل، وثائق ضرورية في ملف عقد الزواج، وذلك بموجب القرار الوزاري الوارد في الفقرة السابعة المادة 84 11 من قانون الأسرة الصادر في 9 جوان 1984 والذي بدأ تطبيقه منذ سنة 2008، وتتمثل في فصيلة الدم groupage، إلتهابات الكبد HBS السيدا HIV و BM
و يؤكد الأستاذ في العلوم الشرعية والقانونية "عمر محمود نوفل" توافق الرؤية الشرعية للموضوع مع نتائج الطب حيث يقول: للزواج ثلاث مقاصد وغايات عظيمة، أولها السكينة بين الزوجين، لقوله تعالى: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] الرُّوم21، وثانيها حفظ النفس من الوقوع في الفاحشة، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وثالثها إعمار الأرض بالبشر، واستمرار الجنس البشري إلى قيام الساعة، والتكثير من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لقوله: صلى الله عليه وسلم لقوله: (تناكحوا تكاثروا فاني أباهي بكم الأمم )..
فالزواج بغاياته ومقاصده الثلاثة حقيقة وواقعة مشتركة بين الإنسان في ماضيه وحاضره ومستقبله، ولكن هذا الزواج له قضايا ومشكلات تتعلق بحال الزوجين، أو أحدهما من الناحية الجسمية والعقلية. وقد تطرق الفقهاء في سابق عهودهم إلى هذه الأحوال، ومنها أمراض العته والعنة والجب والخصاء والرتق والقرن والجذام ورائحة الفم ونحو ذلك، مما رتبوا عليه أحكاما منها ما يقضي بفسخ عقد الزواج، في حال وجود أي من هذه الأمراض عند الزوجين.
ومع مرور الزمن، وتطور مفاهيم الإنسان، وكثرة مشكلاته الاجتماعية وجدت أمراض أخرى من اللازم عليه التعامل معها وفقا لمفاهيمه. منها الأمراض الوراثية والمعدية. وبما أن الطمأنينة والسكينة واستمتاع الزوجين ببعضهما، وإنجاب الذرية الصالحة من أهم مقاصد الزواج، فالشرط في تحققها يكمن في سلامتهما من الأمراض المعدية، حتى لا تنتقل من المريض لشريكه، بالإضافة إلى إنجاب ذرية خالية من الأمراض التي يمكن أن تنتقل من أحد الأبوين أو كلاهما للأبناء."
المصدر: جواهر الشروق
مواضيع ذات صلة:
المصدر: جواهر الشروق
مواضيع ذات صلة: